الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
الطويل لعمرك ما أدري وإني لأوجل *** على أينا تعدو المنية أول على أن أول بني على الضم لحذف المضاف إليه، ونية معناه. والأصل: أول أوقات عدوها. قال ابن جني في إعراب الحماسة: إنما بنيت أول هنا لأن الإضافة مردةٌ فيها، فلما اقتطعت منها، وهي مرادة فيها، بنيت كقبل وبعد، فكأنه قال: تعدو المنية أول الوقت. وأصلها قبل الإضافة أن تكون معها من ليتم بها قبل الظرفية صفة، فتكون كقديم وحديث لم تنقل عن الوصف إلا إلى الظرفية. فإذا صح فيها مذهب الصفة فلا بد فيها من معنى من قبل الإضافة، فإذا تصورت صفة قبل ذلك أمكن، حينئذ نقلها إلى الظرف، كسائر ما نقل إلى الظروف من الصفات، نحو قديم وحديث، وملي وطويل. وأوجل مما جاء على الصفات على أفعل لا فعلاء له. ألا تراهم لا يقولون وجلاء، استغنوا عنها بوجلة. وظنه العيني فعلاً مضارعاً، فقال: قوله: لأوجل، أي: لأخاف، من وجل يوجل. وعمرك، بفتح العين: مبتدأ محذوف الخبر، أي: قسمي، وجملة: ما أدري جواب القسم. والمصراع الثاني في محل نصب على أنه سادٌّ مسد مفعولي درى، معلق عن العمل في لفظه بسبب الاستفهام، وعلى متعلقة بتعدو. وأخطأ العيني في قوله: مفعول أدري محذوف تقديره: ما أدري ما يفعل بن وما يكون، ونحو ذلك. ولم يتعرض لجملة على أينا تعدو إلخ. وهو بالعين المهملة من عدا عليه يعدو عدواً، بمعنى ظلم وتجاوز الحد. وروي بالغين المعجمة، من غدا غدواً، أي: ذهب غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الذهاب والانطلاق أي وقتٍ كان. والمنية: الموت. وأول: ظرفٌ مبني، وموضعه النصب بتعدو، وجملة: وإني لأوجل جملة معترضة بين أدري وبين الساد عن مفعوليها. وأوجل معناه خائف. والمعنى: أقسم ببقائك ما أعلم أينا يكون المقدم في عدو الموت عليه. وهذا كما قال الآخر: الطويل فأكرم أخاك الدهر ما دمتما مع *** كفى بالممات فرقةً وتنائيا والبيت مطلع قصيدةٍ لمعن بن أوسٍ المزني، أورد بعضها أبو تمام في الحماسة. ونحن نقتصر عليه. قال شراحها: وسبب هذا الشعر أنه كان لمعن بن أوس صديقٌ، وكان معنٌ متزوجاً بأخته، فاتفق أنه طلقها وتزوج بأخرى، فحلف صديقه أن لا يكلمه أبداً. فقال معن هذه القصيدة يستعطف بها قلبه ويسترقه له. وفيها ما يدل على القصة، وهو قوله: فلا تغضبن أن تستعار ظعينةٌ *** وترسل أخرى كل ذلك يفعل والأبيات التي أوردها أبو تمام بعد المطلع هي هذه: وإني أخوك الدائم العهد لم أحل *** إن ابزاك خصمٌ ونبا بك منزل أحارب من حاربت من ذي عداوةٍ *** وأحبس مالي إن غرمت فأعقل كأنك تشفي منك داء مساءتي *** وسخطي وما في ريثتي ما تعجل وإن سؤتني يوماً صبرت إلى غدٍ *** ليعقب يوماً منك آخر مقبل وإني على أشياء منك تريبني *** قديماً لذو صفحٍ على ذاك مجمل ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني *** يمينك فانظر أي كفٍّ تبدل وفي الناس إن رثت حبالك واصلٌ *** وفي الأرض عن دار القلى متحول إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته *** على طرف الهجران إن كان يعقل ويركب حد السيف من أن تضيمه *** إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل وكنت إذا ما صاحبٌ رام ظنتي *** وبدل سوءاً بالذي كنت أفعل قلبت له ظهر المجن ولم أدم *** على ذاك إلا ريثما أتحول إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد *** إليه بوجهٍ آخر الدهر تقبل وقوله: وإني أخوك إلخ. يقول: إني أخوك الذي يدوم عهده ولا يزول ولا يحول إن أبزاك خصم، أي: غلبك وقهرك. يقال: بزوت الخصم بزواً، وأبزيته إبزاءً، بالباء الموحدة والزاي. ويجوز أن يكون أبزاك من بزي يبزى بزًى، فهو أبزى، وهو دخول الظهر وخروج البطن. ويكون المعنى: إن حملك خصم من الثقل ما يبزى له ظهرك، فلا تطيق الثبات تحته والنهوض به. وقوله: أحارب من حاربت إلخ، هذا تفسير دوام عهده، أي: تجدني ذاباً عنك، وإن أصابك غرم، حبست مالي عليك. وأعقل عنك، يقال: علقت عنه، إذا غرمت ما لزمه في ديته. وعقلته، إذا أعطيت ديته. ويجوز أن يكون معنى فأعقل: أشدها بعقلها بفنائك لتدفعها في غرامتك. والمال إذا أطلق، يراد به الإبل. وقوله: كأنك تشفي إلخ، يريد: إساءتك إلي وسخطك علي، فأضافهما إلى المفعول. والمعنى: إنك تستمر في إساءتك إلي حتى كأن بك داءً ذاك شفاؤه. والريثة: ضد العجلة. يقول: ليس في أناتي وتركي مكافأتك ما يجب أن يتعجل علي، بما يسوؤني. وقوله: وإن سؤتني يوماً إلخ، أي: إن فعلت ما يسوؤني تجاوزت إلى غدٍ، ليجيء يومٌ آخر مقبلٌ منك بيومٍ يسرني. وقوله: ستقطع في الدنيا إلخ، يقول: أنا لك بمنزلة يدك اليمنى، فإذا قطعتني فإنما تقطع يمينك. وقوله: وفي الناس إن رثت إلخ، يقول: إذا انقطعت حبالٌ الود بيني وبينك، ففي الناس واصلٌ غيرك. وإذا نبا بي جوارك ففي جوانب الأرض متحولٌ عن دار البغض. وقوله: إذا أنت لم تنصف إلخ، أي: إذا لم تنصف أخاك، ولم توفه حقوق إخائه، وجدته هاجراً لك مستبدلاً بك إن كان له عقل، ثم لا يبالي أن يركب من الأمور ما يقطعه تقطيع السيف، ويؤثر فيه تأثيره، مخافة أن يصيبه ضيمٌ متى لم يجد عن ركوبه معدلاً. وقوله: من أن، أي: بدلاً من أن. وشفرة السيف، بالفتح: حده. ومزحل، بالزاي والحاء المهملة: مصدر زحل عن مكانه، إذا تنحى عنه وتباعد. وقوله: وكنت إذا ما صاحبٌ إلخ، رام ظنتي، بالكسر: عرضني لاتهام عقده والارتياب بوده، بأن عد إحساني إليه إساءة. ومعناه: رام إيقاع التهمة علي. وقوله: قلبت له ظهر إلخ، أي: اتخذته عدواً وقلبت له ظهر الترس متقياً منه، ولم أدم على الحال المذكورة معه إلا قدر ما أتحول، وبطء ما أتنقل. قال المبرد في الكامل: دخل عبد الله بن الزبير يوماً على معاوية، فقال: اسمع أبياتاً قلتها. وكان واجداً عليه. فقال معاوية: هات. فأنشده: الطويل إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته *** على طرف الهجران إن كان يعقل مع البيت الذي بعده. فقال له معاوية: قد شعرت بعدنا يا أبا بكر! ثم لم ينشب معاوية أن دخل عليه معن بن أوسٍ المزني، فقال: أقلت بعدنا شيئاً؟ فقال: نعم. فأنشده: لعمرك ما أدري وإني لأوجل *** على أينا تعدو المنية أول حتى صار إلى الأبيات التي أنشدها ابن الزبير، فقال له معاوية: يا أبا بكر، أما ذكرت آنفاً أن هذا الشعر لك؟ قال أصلحت المعاني، وهو ألف الشعر، وهو بعد ظئري، فما قال من شيء فهو لي. وكان عبد الله مسترضعاً في مزينة. انتهى. والظئر، بكسر الظاء المعجمة بعدها همزة ساكنة: المرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها. ويقال للرجل الحاضن ظئر أيضاً. وهذا هو مراد ابن الزبير. وقال الحصري في زهر الآداب بعد إيراد هذه الحكاية: أراد ابن الزبير معاتبة معاوية بشعر معن، وليس ادعاؤه على حقيقةٍ منه. وهذان البيتان قد أوردهما صاحب تلخيص المفتاح في السرقات الشعرية. وترجمة معن بن أوس المزني تقدمت في الشاهد الثلاثين بعد الخمسمائة. وأنشد بعده: الطويل ولا ناعبٍ إلا ببينٍ غرابها هو عجزٌ، وصدره: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً على أن ناعباً عطفٌ بالجر على مصلحين المنصوب على خبر ليسوا، لتوهم الباء، فإنها تزاد في خبر ليس. وقد تقدم الكلام على هذا البيت في الشاهد الثامن والسبعين بعد المائتين. ومشائيم: جمع مشؤوم، من شئم عليهم بالبناء للمفعول، فهو مشؤوم، إذا صار شؤماً. يقول: لا يصلحون أمر العشيرة إذا فسد ما بينهم، ولا يأتمرون بخيرٍ، فغرابهم لا ينعب إلا بالتشتيت والفراق. وهذا مثلٌ للتطير منهم والتشاؤم بهم. والنعيب: صوت الغراب ومد عنقه عند ذلك. وأنشد بعده: الرجز في سعي دنيا طالما قد مدت على أن دنيا قد جردت من اللام والإضافة لكونها بمعنى العاجلة. يريد أن الاسمية غلبت عليها لكثرة استعمالها، ولهذا لم تجر على موصوف غالباً، كما غلبت الاسمية على نحو الأجرع والأبطح. قال ابن يعيش: القياس في دنيا أن يكون بالأف واللام، لأنه صفة في الأصل على أنه فعلى ومذكره الأدنى، مثل الأكبر والكبرى. وهو من دنوت، فقلبت الواو في الأدنى ألفاً لتحركها، وانفتاح ما قبلها، وذلك بعد أن قلبت ياءً لوقوعها رابعة. وقد تقدم أن الألف واللام تلزم هذه الصفة، إلا أنهم استعملوا دنيا استعمال الأسماء، فلا يكادون يذكرون معه الموصوف، ولذلك قلبوا اللام منه ياءً لضربٍ من التعادل والعوض، كأنهم أرادوا بذلك الفرق بين الاسم والصفة، فلما غلب عليها حكم الأسماء أجروها مجرى الأسماء. وكانت الألف واللام لا تلزم الأسماء فاستعملوها بغير ألف ولام، كسائر الأسماء. انتهى. وأورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحرٍ} من سورة طه. قال: إن تنكير ساحر مع كونه معلوماً معيناً لأجل تنكير المضاف، وهو كيد، كما نكر الشاعر دنيا، لأجل تنكير سعي. والمراد كيدٌ سحريٌّ وسعيٌ دنيويٌّ. ولو عرف السحر والدنيا، لصار الكيد والسعي معرفتين، والمراد تنكيرهما، إذ الغرض كيدٌ ما، وسعيٌ ما. وقال أبو حيان: البيت محمولٌ الضرورة، إذ دنيا تأنيث الأدنى، لا يستعمل إلا بالألف واللام وبالإضافة. وأما قول عمر: إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة، فيحتمل أن يكون من تحريف الرواة. انتهى. ولا يخفى أنه ورد في الحديث الصحيح: فإن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها . ولم يقل غيره إن دنيا ضرورة. نعم تنوينه ضرورة، ذكره ابن عصفور في كتاب الضرائر. وقال ابن جني في إعراب الحماسة عند قول المثلم بن رياح المري: الكامل إني مقسم ما ملكت فجاعلٌ *** أجراً لآخرةٍ ودنيا تنفع قد استعملت العرب في غير هذا دنيا نكرة، كما ترى، قال العجاج: في سعي دنيا طالما قد مدت وروى ابن الأعرابي دنيا بالصرف، وقال أيضاً في ذلك: إنهم شبهوها بفعلل فنونوها. وهذا نادرٌ غريب، ولم نعلم شيئاً مما في آخره ألف التأنيث مفرداً مصروفاً غير هذا الحرف. ولو قال قائل إن دنيا هذه المصروفة تكون ملحقة في قول أبي الحسن بجخدبٍ، وكالألف في بهماةٍ لم أر بأساً. فإن قلت: فلو كانت ألف دنيا للإلحاق لوجب فيها دنواً. وذلك أن اللام في نحو هذا، إذا كانت واواً، فإنها إنما تبدل ياءً في فعلى التي ألفها للتأنيث. وجاءت هذه للإلحاق؟ فالجواب: أن هذا النحو لما غلب عليه مثال فعلى التي ألفها للتأنيث. وجاءت هذه للإلحاق، أجروها على المعتاد من القلب فيها. وأيضاً فإن ألف الإلحاق قد تجري مجرى ألف التأنيث. ألا تراها زائدةً مثلها، وذات معنًى مثلها. نعم، وإذا جعلت ما فيه ألف الإلحاق علماً لم ينصرف، لمشابهتها حينئذ ألف التأنيث. فإن قلت: فأجز أيضاً أن يكون دنيا فعلل كسودد؟ قيل: يمنع من هذا أن حرف الإلحاق من حيث ذكرنا أشبه بحرف التأنيث من لام الفعل، فإذا كان إنما لتشبيه الملحق بحرف التأنيث على ضعف وضرب من التأويل لم يتجاوز ذلك إلى تشبيه الأصلي بحرف التأنيث، لإفراط تباعدهما. فلو كانت دنيا على هذا فعللاً لكانت دنوا. ولو قال قائل: إن دنيا فيمن صرف فعيل بمنزلة عليب لكان له وجهٌ من التصريف، ولكنه يبقى عليه شيئان: أحدهما: قلة عيب فلا يقاس عليه. والآخر: أن دنيا تأنيث الأدنى. وهذا أشد شيءٍ تبايناً من حديث فعيل وفعلل، وهو أيضاً أحد ما يضعف كونها ألف إلحاق. فاعرف ذلك. انتهى. والبيت من الرجز للعجاج: أوله: الحمد لله الذي استقلت *** بإذنه السماء واطمأنت بإذنه الأرض فما تعنت *** وحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت *** والجاعل الغيث غياث المسنت والجامع الناس ليوم الموقت *** بعد الممات وهو محيي الموت يوم ترى النفوس ما أعدت *** من نزلٍ إذا الأمور غبت في سعي دنيا طالما قد مدت *** حتى انقضى قضاؤها فأدت قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه الوسطى والصغرى: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي، قال: أخبرنا أبو الفضل الرياشي عن الأصمعي، عن عبد الله بن رؤبة بن العجاج، عن أبيه عن جده، قال: أنشدت أبا هريرة قصيدتي التي أولها: الحمد لله الذي استقلت حتى أتيت على آخرها، فقال: أشهد إنك لمؤمن. انتهى. وقوله: استقلت، أي: ارتفعت. والسماء فاعله. واطمأنت، أي: سكنت، والأرض فاعله. وتعنت بالنون: تعبت. في الصحاح: وعني بالكسر عناءً، أي: تعب ونصب، وعنيته تعنية فتعنى. والوحي: الإشارة والإلهام. قال صاحب الصحاح: والكلام الخفي وكل ما ألقيته إلى غيرك. يقال: وحيت إليه الكلام وأوحيت، وهو أن تكلمه بكلام تخفيه. وأنشد هذا البيت. والراسيات، هي الجبال الثوابت، والرواسخ. والثبت: جمع ثابت. والغيث: المطر. وفي المصباح: أغاثه: أعانه ونصره. وأغاثنا الله بالمطر، والاسم الغياث. والمسنت: اسم فاعل من أسنت القوم، أي: أجدبوا، وأصله من السنة وهو القحط. والموت: جمع مائت. وأعدت، أي: هيأت، وجعلته عدة. ومن نزل بالضم بيانٌ لما. والنزل: ما يهيأ للنزيل، أي: الضيف. وغبت بالغين المعجمة والموحدة، أي: بلغت غبها وعاقبتها. وفي الصحاح: وقد غبت الأمور، إذا صارت إلى أواخرها. وفي سعي متعلق بغبت. ومدت بالبناء للمفعول، أي: امتدت وتطاولت. وأدت بتشديد الدال. يقال: أدت فلاناً داهية تؤده أداً بالفتح، من الإد، والإدة، بكسر أولهما، وهي الداهية، والأمر الفظيع. وترجمة العجاج تقدمت في الشاهد الحادي والعشرين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده: البسيط وإن دعوت إلى جلى ومكرمةٍ *** يوماً سراة كرام الناس فادعينا على أن الجلى قد تجرد من اللام والإضافة لكونها بمعنى الخطة العظيمة. والخطة بالضم: الشأن والحالة والخصلة، فتكون الجلى إسماً للشأن والحال، كما قال الزمخشري في المفصل. وقال ابن يعيش في شرحه: الجيد أن تكون مصدراً كالرجعى بمعنى الرجوع، والبشرى بمعنى البشارة. وليس بتأنيث الأجل، على حد الأكبر والكبرى، لأنه إذا كان مصدراً، جاز تعريفه وتنكيره. وإلى هذا ذهب الحريري في درة الغواص، قال: وأما طوبى في قولهم: طوبى لك. وجلى في قول بشامة النهشلي: وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ***...........البيت فإنهما مصدران كالرجعى، وفعلى المصدرية لا يلزم تعريفها. والبيت وقع في شعرين: أحدهما للمرقش الأكبر رواه المفضل بن محمد الضبي له، وكذلك ابن الأعرابي في نوادره، وأبو محمد الأعرابي فيما كتبه على شرح الحماسة للنمري، وهو: يا دار أجوارنا قومي فحيين *** وإن سقيت كرام الناس فاسقينا وإن دعوت إلى جلى ومكرمةٍ *** يوماً سراة خيار الناس فادعينا شعثٌ مقادمنا نهبى مراجلن *** نأسو بأموالنا آثار أيدينا المطعمون إذا هبت شآميةٌ *** وخير نادٍ رآه الناس نادينا قوله: يا دار أجوارنا إلخ، قال في العباب: الجار يجمع على جيران، وجيرة، وأجوار. وأنشد الليث: ورسم دارٍ دارس الأجوار وروى: يا ذات أجوارنا روي أيضاً: بيضٌ مفارقنا تغلي مراجلنا قال أبو محمد الأعرابي: سألت أبا الندى عن هذه الرواية، قال: هذه روايةٌ ضعيفة، فإن بيض المفارق قرع، ومرجل الحائك يغلي كما يغلي مرجل الملك. قال: والرواية الصحيحة الأولى، ومعناها إننا أصحاب حروب وقرًى. انتهى. والشعر الثاني لبشامة بن حزنٍ النهشلي، رواه المبرد في الكامل وأبو تمام في الحماسة، وهو: إنا محيوك يا سلمى فحيين *** وإن سقيت كرام الناس فاسقينا وإن دعوت إلى جلى ومكرمةٍ *** يوماً سراة كرام الناس فادعينا إنا بني نهشلٍ لا ندعي لأبٍ *** عنه ولا هو بالأبناء يشرينا إن تبتدر غايةٌ يوماً لمكرمةٍ *** تلق السوابق منا والمصلينا وليس يهلك منا سيدٌ أبد *** إلا افتلينا غلاماً سيداً فينا نكفيه إن نحن متنا أن يسب بن *** وهو إذا ذكر الآباء يكفينا إنا لنرخص يوم الروع أنفسن *** ولو نسام بها في الأمن أغلينا بيضٌ مفارقنا تغلي مراجلن *** نأسو بأموالنا آثار أيدينا إنا لمن معشرٍ أفنى أوائلهم *** قول الكماة ألا أين المحامونا لو كان في الألف منا واحدٌ فدعو *** من فارسٌ خالهم إياه يعنونا إذا الكماة تنحوا أن يصيبهم *** حد الظبات وصلناها بأيدينا ولا تراهم وإن جلت مصيبتهم *** مع البكاة على من مات يبكونا ونركب الكره أحياناً فيفرجه *** عنا الحفاظ وأسيافٌ تواتينا قوله: إنا محيوك يا سلمى إلخ، قال التبريزي: أي إنا مسلمون عليك أيتها المرأة، فقابلينا بمثله، وإن سقيت الكرام فأجرينا مجراهم، فإنا منهم. والأصل في التحية أن يقال عند اللقاء حياك الله، ثم استعمل في غيره من الدعاء. وقيل في سقيت، معناه: إن دعوت لأماثل الناس بالسقيا فادعي لنا أيضاً. والأشهر في الدعاء أن يقال فيه سقيت فلاناً بالتشديد والحجة بالتخفيف قول أبي ذؤيب الهذلي: المتقارب سقيت به دارها إذ دنت وقوله: وإن دعوت إلى جلى إلخ، جلى: فعلى أجراها مجرى الأسماء ويراد بها جليلة، كما يراد بأفعل فاعل وفعيل. يقول: إن أشدت بذكر خيار الناس بجليلةٍ نابت، ومكرمةٍ عرضت، فأشيدي بذكرنا أيضاً. ولهذا الكلام ظاهره استعطاف لها، والقصد به التوصل إلى بيان شرفه واستحقاقه ما يستحقه الأشراف. ولا سقي، ثم ولا تحية. قاله التبريزي. والمكرمة، بفتح الميم وضم الراء: اسم من الكرم. وفعل الخير مكرمة، أي: سبب للكرم والتكريم. قاله صاحب المصباح. والسراة بالفتح: اسمٌ مفرد بمعنى الرئيس، وقيل اسم جمع، وقيل جمع سري، وهو الشريف. وقد تقدم الكلام عليه مشروحاً في الشاهد السبعين بعد الأربعمائة. ولم يتكلم ابن جني في إعراب الحماسة على هذا البيت إلا من جهة القافية. قال: يروى: فادعينا، بإشمام الضم في كسرة العين. ويروى بإخلاص الكسرة. فأما من أخلص الكسرة فلا سؤال في إنشاده من جهة الردف. وأما من رواه بإشمام الضم ففيه السؤال. وذلك أن الحركة قبل الردف، وهي التي يقال لها: الحذو، لم تأت عنهم مشمةً ولا مشوبة، وإنما هي إحدى الحركات مخلصة البتة. ولم يذكر الخليل ولا أبو الحسن ولا أبو عمرو، ولا أحد من أصحابنا، حال هذه الحركة المشوبة كيف اجتماعها مع غيرها. فدل ذاك على أن الحركة في نحو هذا ينبغي أن تكون مخلصة. ومذهب سيبويه في هذا النحو، مثل: ادعي واغزي الإمالة وإشمام الكسرة شيئاً من الضمة. ولم يستثن ردفاً من غيره. ووجه جواز هذه الحركة المشوبة مع الكسرة والضمة الصريحتين: أن ما فيها من الإشمام لا يعتد به، ولا ينظر إلى قدره، وإنما هو كإمالة الفتحة إلى الكسرة في نحو: سالم وحاتم. وأنت تجيزهما في شعر واحد مع قادم وغانم، ولا تحفل بما بين الحركتين، بل إذا جاز سالم مع قادم، وسلاح مع صباح، وقنا مع فتى، كان اجتماع ادعينا مع يشرينا ونحو ذلك أسهل وأسوغ. وإنما كان أسهل من قبل أن الفتحة إذا نحي بها قبل الألف نحو الكسرة انتحيت أيضاً بالألف بعدها نحو الياء لا بد من ذلك، من حيث كانت الألف ناشئة عن الحركة قبلها على احتذاء، وموازنة اتباع. فإذا أملت الفتحة والألف فهناك عملان في الحركة والحرف جميعاً كما ترى. وأما الياء في ادعينا، وقيل وبيع، فإنها وإن شيبت الحركة قبلها خالصة البتة، وغير مشوبة شوب ما قبلها، وجاز ذلك فيها من حيث كانت الطاقة حاملة، والقدرة ناهضةً بالنطق بالياء الساكنة، بعد الضمة الناصعة، فكيف بها بعد الكسرة التي إنما اعتلت بأن انتحي بها نحو الضمة. والعمل في ذلك خلس خفيٌّ. وأما الألف الخالصة فليس في الطوق أن ينطق بها بعد غير الفتحة الخالصة، ففي سالم إذن تغييران، وفي قيل وبيع واغزي وادعي تغييرٌ واحد. فإذا جاز اجتماع ما فيه تغييران نحو سالم وسلاح، مع قادم وصباح، كان اجتماع ما فيه تغيير واحدٌ مع ما لا تغيير فيه نحو: قيل واغزي وادعي، مع قيل وبيع، وحيينا واسقينا، أحجى بالجواز، فاعرف ذلك. وإذا جاز اجتماع هذا الخلاف في المجرى، وهو أغلظ حرمة وأمس مذمة من الحذو، أعني اجتماع فتى مع عتا والروي التاء، كان ذلك في الحذو أسهل. وأخف وأدون. وقد كان يجب أن نودع هذا الموضع كتابنا في تفسير قوافي أبي الحسن، لامتزاجه به ومماسته إياه، لكنه لم يحضرنا حينئذٍ، والخاطر أجول مما نذهب إليه، وأشد ارتكاضاً وذهاباً في جهات النظر من أن يقف بك على انتهائه، ويمطيك ذروة أجواله وأقصائه. انتهى. وقوله: إنا بني نهشل إلخ، قال المبرد في الكامل: من قال: إنا بنو نهشل فقد خبرك وجعل بنو خبر إن. ومن قال: بني فإنما جعل الخبر إن تبتدر غاية إلخ. ونصب بني على فعلٍ مضمرٍ للاختصاص، وهو أمدح. وأكثر العرب ينشد: البسيط إنا بني منقر قومٌ ذوو حسبٍ *** فينا سراة بني سعدٍ وناديها وكتب أبو الوليد الوقشي فيما كتبه على الكامل، بعد بيت إنا بني منقر إلخ، هذا وإن وافق الأول بوجهٍ، فإنه يخالفه بوجهٍ أخص منه وأليق به في قانون النحو، لأن هذا نصب على المدح، والأول نصب على الاختصاص، والمسمى مضارع النداء. ألا ترى أنه يرفع هنا ما يرفع في النداء، كقولهم: الله اغفر لنا أيتها العصابة. وقال التبريزي: بني نصب على الاختصاص والمدح، وخبر إن لا ندعي، ولو رفع وقال بنو كان خبراً ولا ندعي في موضع الحال. والفرق بين أن يكون اختصاصاً وبين أن يكون خبراً صراحاً: هو أنه لو جعله خبراً، لكان قصده إلى تعريف نفسه عند المخاطب، وكان لا يخلو فعله لذلك من خمولٍ فيهم وجهل بشأنهم. فإذا جعل اختصاصاً فقد أمن من الأمرين جميعاً. وإنما قلت خبراً صراحاً لأن لفظ الخبر قد يستعار لمعنى الاختصاص، لكنه يستدل على المراد منه بقرائنه. وعلى هذا قوله: الرجز أنا أبو النجم وشعري شعري وقوله: لا ندعي لأبٍ عنه، ندعي: نفتعل، وعنه تعلق به. يقال: ادعى فلانٌ في بني فلان، إذا انتسب إليهم. وادعى عنهم، إذا عدل بنسبه عنهم. وهذا كقولهم: رغبت في كذا، ورغبت عنه. وقوله: لأبٍ، أي: من أجل أب. ومعناه إنا لا نرغب عن أبينا فننتسب إلى غيره، وهو لا يرغب عنا، قد رضي كلٌّ منا بصاحبه. وقوله: يشرينا، قال المبرد: يريد يبيعنا. يقال شراه يشريه، إذا باعه. فهذه اللغة المعروفة، قال الله عز وجل: {وشروه بثمنٍ بخس}، ويكون شريت في معنى اشتريت، وهو من الأضداد. وقوله: إن تبتدر غايةٌ إلخ، يقال: بادرت مكان كذا وكذا وإلى مكان كذا، وكذلك ابتدرنا الغاية وإلى الغاية. وقوله: لمكرمة، أي: لاكتساب مكرمة. ويجوز أن تكون اللام مضيفة للغاية إلى المكرمة، كأنه يريد تسابقهم إلى أقصاها. وإنما قال المصلين، ولم يقل المصليات مع السوابق، لأن قصده إلى الآدميين، وإن كان استعارهما من صفات الخيل. ويجوز أن يكون أخرج السابق لانقطاعه عن الموصوف في أكثر الأحوال. ولنيابته عن المجلي، وهو اسم الأول من خيل الحلبة، إلى باب الأسماء فجمعه على السوابق، كما يقال كاهل وكواهل وغارب وغوارب. والمصلي: الذي يتلو السابق فيكون رأسه عند صلاه. والصلوان: العظمان الناتئان من جانبي العجز. وقال ابن دريد: هو العظم الذي فيه مغرز عجب الذنب. وقال بعض أهل اللغة: هما عرقان في موضع الردف. وأسماء خيل الحلبة عشرة، لأنهم كانوا يرسلونها عشرةً عشرة. وسمي كل واحد منها باسمٍ. فالأول: المجلي، والثاني: المصلي، والثالث: المسلي، والرابع: التالي، والخامس: المرتاح، والسادس: العاطف، والسابع: المؤمل، والثامن: الحظي، والتاسع: اللطيم، والعاشر: السكيت بالتصغير، ويقال: سكيت بالتشديد. وقوله: إلا افتلينا الافتلاء: الافتطام والأخذ عن الأم، ومنه الفلو. قال المبرد: مأخوذ من قولهم فلوت الفلو يا فتى، إذا أخذته عن أمه. وأخذ هذا المعنى من قول أبي الطمحان: الطويل إذا مات منا سيدٌ قام صاحبه وقوله: إنا لنرخص إلخ، قال المبرد: أخذه من قول الهمداني، وهو الأجدع، أبو مسروق بن الأجدع الفقيه: الطويل لقد علمت نسوان همدان أنني *** لهن غداة الروع غير خذول وأبذل في الهيجاء وجهي وإنني *** له في سوى الهيجاء غير بذول ومن القتال الكلابي حيث يقول: الوافر أنا ابن الأكرمين بني قشيرٍ *** وأخوالي الكرام بنو كلاب نعرض للسيوف إذا التقين *** نفوساً لا تعرض للسباب وقوله: ولو نسام بها، أي: نحمل على أن نسام بها. ويقال: سام بسلعته كذا، وأسمته أنا، أي: حملته على أن يسام. ويحتمل أن يكون من سمته خسفاً. وأغلينا، الألف للإطلاق، والنون ضمير الأنفس، ومعنى أغلين وجدت غالية. وقوله: بيضٌ مفارقنا إلخ، قال التبريزي: ويروى: بيضٌ معارفنا وهي الوجوه، والمراد به نقاء العرض وانتفاء الذم، جمع معرفٍ، بفتح الراء وكسرها، سمي الوجه به لأن معرفة الأجسام وتمييزها به. والأشهر: مفارقنا. والمراد ابيضت مفارقنا من كثرة ما نقاسي الشدائد، كما يقال أمرٌ يشيب الذوائب. وتغلي مراجلنا، أي: حروبنا، كقول الآخر: الطويل تفور علينا قدرهم فنديمه *** ونفثؤها عنا إذا حميها غلا ويجوز: ابيضت مفارقنا من كثرة استعمال الطيب، كقول الآخر: الطويل جلا الأذفر الأحوى من المسك فرقه فقوله: تغلي مراجلنا، أي: قدورنا للضيافة. ويجوز أن يريد: مشينا مشيب الكرام لا مشيب اللئام، كقوله: الطويل وشيب مشيب العبد في نقرة القف *** وشيب كرام الناس فوق المفارق فالمراجل: قدور الضيافة. وقوله: نأسو بأموالنا، يريد ترفعهم عن القود ودفع أطماع الناس عن مقاصتهم. والأسو: المداواة، أي: نقتل وندي. وقوله: لو كان في الألف إلخ، قال المبرد: أخذه من قول طرفة: الطويل إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني *** عنيت فلم أكسل ولم أتبلد ومن قول متمم: الطويل إذا القوم قالوا من فتى لعظيمةٍ *** فما كلهم يدعي ولكنه الفتى وقوله: إذا الكماة تنحوا إلخ، قال المبرد: الظبة: الحد بعينه، يقال: أصابته ظبة السيف، وظبة النصل. وأراد بالنصل هنا موضع الضرب وأخذ هذا من قول كعب بن مالك: الكامل نصل السيوف إذا قصرن بخطون *** قدما ونلحقها إذا لم تلحق وقوله: ولا تراهم وإن جلت إلخ، يعني أنهم لا يموتون إلا بالقتل فقد صار لهم عادة، وإن كل من يولد منهم، يكون سيدا، فلا يجزعون على من مات منهم. وقوله: ونركب الكرة إلخ، يكشفه. وقوله: أسياف تواتينا يجوز أن يكون كقوله: الطويل فحالفنا السيوف على الدهر ويجوز أن يكون أراد بالسيوف رجالا كأنهم السيوف مضاء. والأول أولى. قاله التبريزي. وهذه الأبيات قد اختلف في قائلها، والصحيح أنها لبشامة بن حزن النهشلي. وعليه الآمدي في كتابه المؤتلف والمختلف ونسبها المبرد في الكامل لأبي مخزوم النهشلي. وقال ابن السيد البطليوسي فيما كتبه على الكامل: هذه الأبيات لبسامة بن حزن النهشلي. وقال السكري: هو بشامة بن حري. والأول قول أبي رياش. ويقال: بشامة بن جزء. وقال ابن الأعرابي: هو لحجر بن خالد بن محمود القيسي. وزعم ابن قتيبة أنها لابن غلفاء التميمي. انتهى. أقول: الذي قاله ابن قتيبة في كتاب الشعراء أن الأبيات لنهشل بن حري. وقال النمري: هي لرجل من بني قيس ثعلبة. قال أبو أحمد الأعرابي: لم يفرق النمري بين بني نهشل الذين هم مضربة. وبين بني قيس ثعلبة الذين هم ربيعة، فلزهما في قرن. والبيت الذي فبه إنا بني نهشل لبشامة بن حزن النهشلي. والأبيات الأخر الأربعة للمرقش الأكبر، وهو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. انتهى. وتقدمت الأبيات الأربعة أولا. قال التبريزي: من قال إن الشعر للقيسي، روى: إنا بني مالك. أما المرقش فهو شاعر جاهلي. قال صاحب الأغاني: المرقش لقب غلب عليه بقوله: السريع الدار وحش والرسوم كم *** رقش في ظهر الأديم قلم وهو أحد من قال شعراً، فلقب به واسمه فيما ذكر أبو عمرو الشيباني عمرو. وقال غيره: عوف بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وهو أحد المتيمين، كان يهوى ابنه عمه أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة، ويقال له المرقش الأكبر، لأنه عم المرقش الأصغر. والمرقش الأصغر عم طرفة بن العبد. وكان للمرقشين معاً موقعٌ من بكر بن وائل في حروبها مع بني تغلب، وبأسٌ وشجاعة ونجدة، وتقدم في الحروب، ونكايةٌ في العدو. وأما ابن غلفاء بالغين المعجمة والفاء، فهو أوس بن غلفاء، من بني الهجيم بن عمرو بن تميم وهو شاعر جاهلي، وهو القائل: الوافر ألا قالت أمامة يوم غولٍ *** تقطع يا ابن غلفاء الحبال ذريني إنما خطإي وصوبي *** علي وإن ما أنفقت مال يقول: إن الذي أهلكت مالٌ، ولم أتلف عرضاً. والمال يستخلف. كذا في كتاب الشعراء لابن قتيبة. وأما بشامة بن حزن النهشلي، فهو بفتح الموحدة، وتخفيف الشين المعجمة. قال ابن جني في المبهج: معناه عود شجر يستاك به. قال جرير: الوافر أتنسى إذ تودعنا سليمى *** بعود بشامةٍ سقي البشام والحزن، بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها نون، ومعناه الموضع الغليظ. وذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف، ولم يزد في نسبه على قوله: بشامة بن حزن النهشلي، نهشل بن دارم. ولم أر له ترجمة، وليس له ذكر في ترجمة الأنساب، والظاهر أنه إسلامي. وكذا أبو مخزوم النهشلي كما يظهر من شرح المبرد لأبياته. وذكر الآمدي شاعراً آخر اسمه بشامة. قال: بشامة بن الغدير، والغدير اسمه عمرو بن هلال بن سهم بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان. شاعر محسن مقدم، وهو خال زهير بن أبي سلمى المزني. وله أشعارٌ جياد طوال. انتهى. وأنشد بعده: الوافر ولا يجزون من حسنٍ بسوءى *** ولا يجزون من غلظٍ بلين على أن سوءى مصدر كالرجعى، والبشرى، وليس مؤنث أسوأ. والبيت من أبياتٍ لأبي الغول، مذكورة في أوائل الحماسة، وتقدم شرحها في الشاهد الثالث والثمانين بعد الأربعمائة. قال شراح الحماسة: وقد روى سوءى في البيت روايتين أخريين: إحداهما: بسيءٍ بفتح السين وسكون المثناة التحتية بعدها همزة، وهو مخفف سيءٍ بتشديد الياء، كما يخفف هين ولين فيكون وصفاً. والثانية: بسيءٍّ بكسر السين وتشديد الياء بلا همزة. والسي: المثل. ومعناه أنهم يزيدون في الجزاء على قدر الابتداء. قال الطبرسي: وهذا ليس بشيءٍ، لأنه إخلالٌ بالمطابقة التي حسن البيت بها، لأنه جعل سيئاً في مقابلة حسن، واللين في مقابلة الغلظ. وهذا من المطابقة الصحيحة، لأنه قابل الاسم بالاسم، والمصدر بالمصدر. انتهى. وروى شراح المفصل رواية أخرى وهي: بسوءٍ وهو مصدر أيضاً كالرواية الأولى. قال ابن المستوفي: الذي استشهد به الزمخشري هو بعض الروايات، لكنه اختاره لمكان حاجته إليه. والمعنى واضح. وضده قول قريط بن أنيف العنبري: البسيط يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرةً *** ومن إساءةً أهل السوء إحسانا وروى ابن قتيبة في كتاب الشعراء البيت هكذا:. ولا يجزون من خيرٍ بشرٍّ *** ولا يجزون من غلظٍ بلين تتمة خطأ الزمخشري في المفصل أبا نواس في قوله: البسيط كأن صغرى وكبرى من فقاقعه *** حصباء درٍّ على أرضٍ من الذهب لكونه استعمل صغرى وكبرى نكرة. وهذا الضرب من الصفات لا يستعمل إلا معرفاً، وإنما يجوز التنكير في فعلى التي لا أفعل لها: نحو: حبلى. قال الأندلسي: لم يقل إنه ضرورة لأن المولد لا يسوغ لا استعمال شيءٍ على خلاف الأصل للضرورة، إلا أن يرد به سماع، فيتوقف فيه على محل السماع، ولا يقاس عليه. وصغرى ما ورد فيه سماع، وقد حاولوا له أجوبة: أحدها: أن الصغرى قد غلبت عليها الاسمية كما تقدم في قوله: في سعي دنيا طالما قد مدت قال ابن يعيش: والاعتذار عنه: أنه استعمله استعمال الأسماء لكثرة ما يجيء منه بغير موصوف، نحو: صغيرة وكبير، فصار كصاحبٍ والأبطح فاستعمله نكرة لذلك. ثانيها: أن فعلى فيه ليست مؤنث أفعل بل بمعنى فاعلة. كأن قال: صغيرة وكبيرة من فقاقعها، على حد قوله تعالى: {وهو أهون عليه}. قاله ابن يعيش أيضاً. وإليه ذهب ابن هشام في المغني، قال فيه: ربما استعمل أفعل التفضيل الذي لم يرد به المفاضلة مطابقاً. مع كونه مجرداً، كقوله: وأنتم ما أقام ألائم.....البيت أي: لئام. فعلى هذا تخرج بيت أبي نواس، وقول النحويين: جملة صغرى وجملة كبرى، وكذلك قول العروضيين: فاصلة صغرى وفاصلة كبرى. انتهى. ثالثها: قال الأندلسي: قيل إن من المذكورة زائدة، وكبرى مضافة، وحذف مضاف الأول كما في قوله: البسيط يا تيم تيم عدي لكن حذف من في الواجب لا يجوز إلا عند الأخفش. والأجود أن يقال حذف المفضل الداخل عليه من، اكتفاءً بذكره مرة، أي: كأن صغرى من فقاقعها وكبرى منها. انتهى. ولا يخفى أنه كان يجب أن يقول: وزيادة من في الواجب لا تجوز إلا عند الأخفش بدل قوله: لكن حذف من في الواجب إلخ. وقد رد ابن هشام في المغني هذا الجواب، فقال: وقول بعضهم إن من زائدة وإنهما متضايفان، يرده أن الصحيح لا تقحم من في الإيجاب ولا من تعريف المجرور. انتهى. والبيت في صفة الخمر. والفقاقع: جمع فقاعة. ويروى: من فواقعها جمع فاقعة، ومعناهما النفاخات التي تكون على وجه الماء. وصف الخمر وما يعلوها من الحباب، فشبه الحباب بالدر، وهو اللؤلؤ الكبير، والخمر التي تحته بأرض من ذهب. والبيت أورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى: {حسبتهم لؤلؤا منثوراً} في ضمن حكاية حكاها عن المأمون، أنه زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل، وهو على بساطٍ منسوج من ذهب، وقد نثرت عليه نساء دارٍ الخلافة اللؤلؤ، فنظر إليه منثوراً على ذلك البساط فاستحسن النظر إليه، وقال: لله در أبي نواس! كأنه أبصر هذا حيث يقول: كأن صغرى وكبرى من فقاقعه ***.........البيت وهو من أبيات أولها: ساعٍ بكاسٍ إلى ناسٍ على طرب *** كلاهما عجبٌ في منظرٍ عجب قامت تريني وستر الليل منسدلٌ *** صبحاً تولد بين الماء والعنب كأن صغرى وكبرى من فقاقعه *** حصباء درٍّ على أرضٍ من الذهب كأن تركاً صفوفاً في جوانبه *** تواتر الرمي بالنشاب من كثب في كف ساقيةٍ ناهيك ساقيةً *** في حسن قدٍّ وفي ظرفٍ وفي أدب وبعد هذا ستة أبيات في وصفها. وأنشد بعده: الطويل وأضرب منا بالسيوف القوانسا على أن القوانس منصوب بفعل محذوف لا بأضرب. قال ابن جني في إعراب الحماسة: القوانس منصوب عندنا بفعل مضمر يدل عليه أضرب، أي: ضربنا، ونضرب القوانس. فلا يجوز أن يتناوله أضرب هذه في البيت، لأن أفعل هذه التي للمبالغة تجري مجرى فعل التعجب. وأنت لا تقول: ما أضرب زيداً عمراً، حتى تقول لعمروٍ، وذلك لضعف هذا الفعل وقلة تصرفه. فإن تجسمت ما أضرب زيداً عمراً، فإنما نصبت عمراً بفعل آخر، على ما تقدم. انتهى. وقال ابن الحاجب في أماليه على المفصل: القوانس منصوب بفعل مقدر، كأنه سئل عما يضربون. فقال: نضرب القوانس. انتهى. واستشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى: {أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً}. على أن أمداً منصوب بفعل دل عليه أحصى الذي هو أفعل تفضيل، كما نصب القوانس بما دل عليه أضرب. وقال بعض من شرح أبيات المفصل: المراد بالبيت أضرب منا بالسيوف للقوانس، فحذف اللام لضرورة الشعر. فمن لابتداء الغاية متعلق بأضرب تعلق الظرف، وبالسيوف تعلق الآلة، واللام تعلق المفعول به. وهذا التقدير أولى من الأول لوجهين: الأول أن إضمار: نضرب، يفسد معنى البيت، إذ مراد الشاعر أنهم ضاربون، ونحن أضرب منهم، فيحصل التفضيل. ولو قال: نضرب القوانس لم يكن فيه تفضيل. والثاني: أن أضرب لا ينصب المفعول به، فكيف يدل عليه، والدال على عامل هو الذي يصح أن يعمل في معموله. وإذا لم يصح عمله فيه لم يدل عليه. انتهى. وقد رد عليه الجاربردي في رسالة ألفها على مسألة الكحل، قال: كلا الوجهين فاسد. أما الأول فلأن التفضيل إنما يفوت لو لزم تقدير فعل ناصبٍ للمفعول، إذ لا يكون لاسم التفضيل تعلق معنوي بذلك المنصوب، لكنه ممنوع لجواز أن يكون أضرب متعلقاً بالقوانس من حيث المعنى، مع أن يكون انتصابها بفعل مقدر. وإذن تعلق به معنى يحصل مراد الشاعر وهو التفضيل. وقال المصنف في أماليه في قولنا مررت بزيد قائماً: إن العامل في زيد في اللفظ هو الباء، ومن حيث المعنى هو مررت، وفي قائماً بالعكس. يعني أن الفاعل فيه من حيث المعنى هو الباء، ومن حيث اللفظ هو مررت. هذا كلامه. فأقول: لا يبعد فيما نحن فيه أيضاً أن يكون نضرب عاملاً لفظاً في القوانس، ويكون لأضرب تعلقٌ بها من حيث المعنى، فحينئذ يتم ما ذكرنا. وأما الوجه الثاني فلأن الدال على عامل مقدر لا يلزم أن يكون مما يعمل عمل ذلك العامل. ألا ترى أن الدال على العامل المقدر في قولنا: زيد مررت به هو مررت، مع أنه لا ينصب زيداً. ونظائره كثيرة. فإن قلت: مررت مع الباء يصح أن ينصب زيداً، فلذلك يدل على الناصب المقدر. قلت: فكذا أضرب فيما نحن فيه مع اللام المقدرة يصح أن تنصب القوانس، لأنكم ذهبتم إلى أن القوانس تعلق بأضرب تعلق المضروب به، وإذا صح أن يكون ناصباً لها مع اللام صح أن يكون دالاً على عاملها. وإذا ثبت فساد الوجهين فلا يكون التقدير الثاني أولى من التقدير الأول، بل الأمر بالعكس، لأن تقدير الفعل أكثر من تقدير حرف الجر. وأيضاً التفصيل الذي ذكره للخوافض الثلاث مخالفٌ لما يفهم من كلام المحققين على ما لا يخفى على الأذكياء. انتهى كلام الجاربردي. وأقول: لم يبين الفساد الذي ادعاه على وجهين من تقدير اللام، وغاية ما أورده تصحيح تقدير الفعل على زعمه. فتأمل وأنصف. والله تعالى أعلم. والمصراع من قصيدةٍ للعباس بن مرداس الصحابي، قالها في الجاهلية قبل إسلامه ومطلعها: لأسماء رسمٌ أصبح اليوم دارس *** وأقفر إلا رحرحان فراكسا واختار منها أبو تمام في الحماسة أربعة أبيات، وهي: فلم أر مثل الحي حياً مصبح *** ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا أكر وأحمى للحقيقة منهم *** وأضرب منا بالسيوف القوانسا إذا ما حملنا حملةً نصبوا لن *** صدور المذاكي والرماح المداعسا إذا الخيل جالت عن صريعٍ نكره *** عليهم فما يرجعن إلا عوابسا قال أبو عبيدة في كتاب أيام العرب: غزت بنو سليم ورئيسهم عباس بن مرداسٍ مراداً، فجمع لهم عمرو بن معديكرب، فالتقوا بتثليث من أرض اليمن، بعد تسع وعشرين ليلة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل من كبار مرادٍ ستة، وقتل من بني سليم رجلان، وصبر الفريقان حتى كره كل واحدٍ منهما صاحبه، فقال عباس بن مرداس قصيدته التي على السين، وهي إحدى المنصفات. انتهى. وقوله: فلم أر مثل الحي إلخ، أراد بالحي المصبح بني زبيد بن مراد. قال المرزوقي: لم أر مغاراً عليه كالذين صبحناهم، ولا مغيراً مثلنا يوم لقيناهم، فقسم الشهادة قسم السواء بين أصحابه وأصحابهم، وتناول بالمدح كل فرقة منهم. وانتصب حياً مصبحاً على التمييز، وكذلك فوارساً تمييز وتبيين، ويجوز أن يكونا في موضع الحال. فإن قيل: لم قال فوارس، والتمييز يؤتى به مفرد اللفظ؟ قلت: إذا لم يتبين كثرة العدد، واختلاف الجنس من المميز، يؤتى بالتمييز مجموع اللفظ، متى أريد التنبيه على ذلك. وعلى هذا قول الله تعالى: {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا}، كأنه لما كانت أعمالهم مختلفة كثيرة نبه على ذلك بقوله: أعمالا. ولو قال عملاً، كان السامع لا يبعد في وهمه أن خسرهم كان لجنسٍ واحد من أجناس المعصية، ولعمل واحد من الأعمال الذميمة. وكذلك قوله: فوارس، جمعه حتى يكون فيه إيذانٌ بالكثرة. انتهى. وقال ابن الحاجب في الأمالي: إن أريد بالرؤية العلم فحيا منصوب بها مفعول أول، ومثل: مفعول ثان. وإن أريد رؤية العين، فيحتمل أن يكون حياً مصبحاً هو المفعول، ومثل الحي صفة قدمت فانتصب على الحال. ويجوز أن يكون مثل الحي، هو المفعول، وحياً مصبحاً، إما عطف بيان لقوله مثل الحي، وإما حالٌ من الحي، كأنه قال: مثل الحي مصبحاً، وأتى بحي للتوطئة للصفة المعنوية، كقولهم: جاءني الرجل الذي تعلم رجلاً صالحاً. وصح الحال من المضاف إليه لأنه هنا في معنى المفعول، أي: لم أر مماثلا للحي في حال كونهم مصبحين. والمضاف إليه إذا كان في معنى فاعل ومفعول صح منه الحال كغيره. ويجوز أن يكون تمييزاً، كقولك: عندي مثله تمر وقمحاً، لما في مثل من إبهام الذات، فصح تمييزها كتمييز ما أشبهها، وكل ما ذكر في ذلك، فهو جارٍ في قوله: مثلنا فوارساً، ففوارساً مثل قوله مصبحاً، ومثلنا مثل قوله: مثل الحي. انتهى كلام ابن الحاجب. ونقله الجاربردي في تلك الرسالة، وقال: على تقدير أن يراد بالرؤية العلم، يجوز أن يجعل مثل الحي مفعولاً أول، وحياً مصبحاً مفعولاً ثانياً. فإن قلت: لا يجوز أن يكون مثل الحي مفعولاً أول، لأنه في أفعال القلوب، حكمه حكم المبتدأ، فيجب أن يكون معرفة ونكرة مخصصة بوجهٍ ما. وهنا ليس كذلك، لأن المثل كما لا يتعرف بالإضافة، فلا يتخصص أيضاً، فلا يصلح لأن يكون مفعولاً أول. فالجواب بعد تسليم ذلك أن يقال: المثل هنا إما تخصص بالإضافة ولا، بل بقي على ما كان، يصلح لأن يكون مفعولاً أول. أما على التقدير الأول فظاهر، وأما على التقدير الثاني، فلأنه إذا كان نكرةً، وقد وقع في سياق النفي فيعم، ولا شك أنه يصح الابتداء به، فيصح أن يكون مفعولاً أول. انتهى. وقوله: أكر وأحمى إلخ، قال المرزوقي: المصراع الأول ينصرف إلى أعدائه وهم بنو زبيدٍ، والثاني: إلى عشيرته وأصحابه. والمراد لم أر أحسن كراً وأبلغ حماية للحقائق منهم، ولا أضرب للقوانس بالسيوف منا. وانتصب القوانس من فعلٍ دل عليه قوله: وأضرب منا. ولا يجوز أن يكون انتصابه عن أضرب، لأن أفعل الذي يتم بمن، لا يعمل إلا في النكرات، كقولك: هو أحسن منك وجهاً. وأفعل هذا يجري مجرى فعل التعجب، ولذلك تعدى إلى المفعول الثاني باللام، فقلت: ما أضرب زيداً لعمرو. قال الدريدي: القونس هو أعلى البيضة. وقال غيره: قونس الفرس: ما بين أذنيه إلى الرأس. ومثله قونس البيضة من السلاح. انتهى. وقال ابن الحاجب: قوله: أكر وأحمى إلخ، تبيين لما ادعاه فيما تقدم، فيجوز أن ينتصب بفعل مقدر لا صفة لما تقدم، لئلا يفصل بين الصفة والموصوف بما هو كالأجنبي إذا جعل تمييزاً. ويجوز أن يكون صفةً لما تقدم، كأنها صفة واحدة. وإذ جعلا غير تمييز كأنه قال: جاءني زيدٌ وعمرو العاقل والعالم. وذلك جائز. فأكر وأحمى صفة لحياً مصبحاً، وأضرب منا صفةٌ لفوارساً. انتهى. ونقله الجاربردي في تلك الرسالة، وقال: كلامه مشعرٌ بأنه على تقدير كون ما تقدم على أكر وأحمى تمييزاً، لو جعل أكر وأحمى صفةً يلزم الفصل بين الصفة والموصوف بما هو كالأجنبي، وأما على تقدير كون المتقدم غير تمييز لو جعل أكر وأحمى صفةً لا يلزم ذلك. والفرق مشكلٌ جداً. انتهى. وأكر: من كر عليه، إذا صال عليه. وأحمى: من الحماية. وحقيقة الرجل: ما يحق عليه حفظه من الأهل والأولاد والجار. وقوله: إذا ما حملنا حملة إلخ، قال الفرزدق: يروى إذا ما شددنا شدة. يقول: إذا حملنا عليهم ثبتوا في وجوهنا، ونصبوا صدور الخيل القرح، والرماح المعدة للدفع. والدعس: الدفع في الأصل، ثم يستعمل في الطعن، وشدة الوطء والجماع. والذكاء: ضد الفتاء. يقال: فرسٌ مذكٍّ إذا تم سنه، وكمل قوته. وفي المثل: جري المذكيات غلابٌ . ويقال: غلاء. ويقال: فتاء فلانٍ كذكاء فلان وكتذكية فلان، أي: حزامته على نقصان سنه كحزامة ذاك مع استكماله. قال زهير: الوافر يفضله إذا اجتهدا عليه *** تمام السن منه والذكاء انتهى. وقال بعض شراح الحماسة: المذاكي: المسنات من الخيل. والمذكي من الخيل بمنزلة المخلف من الإبل. وقوله: إذا الخيل جالت، قال المرزوقي: أي إذا الخيل دارت عن مصروع منا كررنا عليهم لنصرع مثل ما صرعوا منا. ويجوز أن يريد: إذا جالت الخيل عن صريع منهم لا يقنعنا ذلك فيهم، بل نكرها عليهم لمثله وإن كرهت الكر لشدة البأس، فلم ترجع إلا كوالح. والعامل في إذا الخيل: نكرها، وهو جوابه. وعوابس حال، والخيل فاعل فعل يفسره ما بعده. انتهى. وقال شارحٌ آخر: جالت: انكشفت. جال القوم جولة: انكشفوا ثم كروا. ولم ترجع الخيل إلا عابسةً لما وجدت من مس السلاح. وقد رد على العباس عمرو بن معديكرب، واعتذر بأن خيلهم لم تكن سماناً، وأنه لولا ذلك لم تنالوا الذي نلتم، في قصيدة يقول فيها: الطويل أعباسٌ لو كانت شياراً جيادن *** بتثليث ما ناصيت بعدي الأحامسا لدسانكم بالخيل من كل جانبٍ *** كما داس طباخ القدور الكرادسا يقال: ناصيت الرجل، إذا أخذت بناصيته. والكردوس: كل ملتقى عظمين، كالمنكبين والركبتين والوركين. ودسناكم: وطئناكم. انتهى. قال الطبرسي في شرحه أبيات العباس من باب المنصفات: وهو من باب التناصف. وللعرب قصائد قد أنصف قائلوها أعداءهم فيها وصدقوا عنهم وعن أنفسهم فيما اصطلوه من حر اللقاء، وفيما وصفوه من أحوالهم في إمخاض الإخاء، قد سموها المنصفات. ويروى أن أول من أنصف في شعره مهلهل بن ربيعة حيث قال: الوافر كأنا غدوةً وبني أبين *** بجنب عنيزةٍ رحيا مدير ومن التناصف في الإخاء قول الفضل بن العباس رضي الله عنهما في أبي لهب: البسيط لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم *** وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا انتهى. والعباس وعمرو بن معديكرب صحابيان، تقدمت ترجمة الأول في الشاهد السابع عشر، وترجمة الثاني في الشاهد الرابع والخمسين بعد المائة. وأنشد بعده: وهو من شواهد سيبويه: الطويل مررت على وادي السباع ولا أرى *** كوادي السباع حين يظلم واديا أقل به ركبٌ أتوه تئية *** وأخوف إلا ما وقى الله ساريا على أن أفعل فيه من قبيل: ما رأيت كعين زيدٍ أحسن فيها الكحل. قال سيبويه: إنما أراد أقل به الركب تئية منهم. ولكنه حذف استخفافاً، كما تقول: أنت أفضل، ولا تقول من أحد. وتقول: الله أكبر، ومعناه الله أكبر من كل شيء. انتهى. قال ابن خلف: حذف منهم وبه اختصاراً، لعلم السامع. والهاء في به الأولى ضمير واديا، والهاء في به التي بعد منهم ضمير وادي السباع. وقال الجاربردي في رسالة ألفها لمسألة الكحل على عبارة الكافية: ولوقوع التغيير الكثير في العبارة الثالثة من الحذف والتقديم والتأخير، ربما يتوهم أنها غير جائزة، فلذلك احتاج إلى إيراد نظيرٍ لها جاء في كلام العرب، وقد أنشده سيبويه، وهو قوله: مررت على وادي السباع ***.............البيت والاستشهاد إنما يحصل من البيتين بقوله: ولا أرى كوادي السباع أقل به ركب أتوه تئية في وادي السباع. فأفعل ها هنا وهو أقل، جرى لشيءٍ وهو في المعنى لمسببٍ هو الركب مفضل باعتبار من هو له، وهو قوله به، على نفسه، باعتبار وادي السباع. انتهى. وقد شرح الشارح المحقق البيتين بما لم يسبق به. وقوله: الواو في ولا أرى اعتراضية، هذا بالنظر إلى ما يأتي بعد البيت الثاني. وجعل العيني جملة: ولا أرى حالية. وقوله: وهو بمعنى المفعول يعني أن أخوف في البيت مأخوذ من الفعل المبني للمجهول، أي: أشد مخوفية، كما أخذ أشهر وأحمد من المبني للمجهول، أي: أشد مشهورية ومحمودية. وقوله: وهو منصوب على التمييز من أقل، هذا هو الظاهر وعليه اقتصر شارح اللباب، قال: التئية: التوقف والتثبت. وتئية تمييز، من قوله: أقل، أي: أقل توقفاً. فأقل: أفعل من القلة منصوب لأنه صفة لمفعول أرى. وقال الجاربردي: تئية إما مصدر على أصله، لأن الإتيان قد يكون تئية، أي: بتوقف، وقد يكون بغيره. وإما مصدرٌ في تأويل المشتق، أي: متوقفين، فيكون حالاً. وأخوف عطف على أقل وعلى تئية إن جعلت حالاً. وإلا ما وقى الله: استثناءٌ مفرغ، أي: في كل وقت إلا وقت وقاية الله الساري. انتهى. ومحصل المعنى أن ثبوت الركب في وادي السباع أقل من ثبوته في غيره. والشعر لسحيم بن وثيل، وهو شاعر عصري الفرزدق، وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الثامن والثلاثين. وادي السباع: اسم موضع بطريق البصرة. قال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: وادي السباع جمع سبع، بالبصرة معروف، وهو الذي قتل فيه الزبير بن العوام، سمي بذلك لأن أسماء بنت عمران بن الحاف بن قضاعة. وقال الكلبي: هي أسماء بنت دريم، بن القين بن أهود بن بهراء كانت تنزله. ويقال، لها أم الأسبع، لأن ولدها أسد، وكلب، والذئب، والدب، والفهد، والسرحان. وأقبل وائل بن قاسط، فلما نظر إليها رآها امرأةً ذات جمال، فطمع فيها، ففطنت له، فقالت: لو هممت بي لأتاك أسبعي! فقال: ما أرى حولك أسبعاً. فدعت بنيها فأتوا بالسيوف من كل ناحية. فقال: والله ما هذا إلا وادي السباع: فسمي به. انتهى. وقال ياقوت في معجم البلدان: وادي السباع جمع سبع. والسبع: يقال: على ما له نابٌ ويعدو على الناس والدواب فيفترسها، مثل الأسد، والذئب، والنمر، والفهد. فأما الثعلب فإنه وإن كان له ناب فإنه ليس بسبعٍ لأنه لا عدوان له. وكذلك الضبع. ووادي السباع هو الذي قتل فيه الزبير بن العوام بن البصرة ومكة، بينه وبين البصرة خمسة أميال. كذا ذكره أبو عبيدة. ووادي السباع من نواحي الكوفة، سمي بذلك لما أذكره لك، وهو: أن أسماء بنت دريم بن القين بن أهود بن بهراء كان يقال لها: أم الأسبع. وولدها بنو وبرة ابن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، يقال لهم السباع، وهم: كلب، وأسد، والذئب، والفهد، والثعلب، وسرحان. ونزكٌ، بفتح النون وسكون الزاي، وهو الحريش، ويقال له: الكركدن له قرن واحد يحمل الفيل على قرنه على ما قيل. وجعثم، وهو الضبع. والفزر، وهو الببر: نوع من الضباع دون جرم الفهد إلا أنه أشد وأجرأ منه. وعنزة وهي دابةٌ طويلة الخطم يعد من رؤوس السباع، يأتي الناقة فيدخل خطمه في حيائها ويأكل ما في بطنها، ويأتي البعير فيمتلخ عينيه. وهر، وضبع. والسمع بالكسر، وهو ولد الذئب من الضبع. وديسم، وهو الثعلب، وقيل: ولد الذئب. ونمس، وهو دويبة فوق ابن عرس يأكل اللحم، وهو أسود ملمع ببياض. والعفر: جنس من الببر. وسيد. والدلدل. والظربان: دويبةٌ منتنة الفساء. ووعوع، وهو ابن آوى الضخم. وكانت تنزل مع أولادها بهذا الوادي فسمي وادي السباع بأولادها. قال ابن حبيب: مر وائل بن قاسط بأسماء هذه أم ولد وبرة، وكانت امرأة جميلة، وبنوها يرعون حولها، فهم بها، فقالت له: لعلك أسررت في نفسك مني شيئاً؟ فقال: أجل. فقالت: لئن لم تنته لأستصرخن عليك! فقال: والله ما أرى بالوادي أحداً! فقالت: لو دعوت سباعه لمنعتني منك، وأعانتني عليك. فقال: وتفهم السباع عنك؟ قالت: نعم. ثم رفعت صوتها: يا كلب، يا ذئب، يا فهد، يا دب، يا سرحان، يا أسد. فجاؤوا يتعادون ويقولون: ما خبرك يا أماه؟ قالت: ضيفكم هذا أحسنوا قراه. ولم تر أن تفضح نفسها عند بنيها، فذبحوا له وأطعموه، فقال وائل: ما هذا إلا وادي السباع فسمي ذلك. انتهى.
|